بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا وزدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام :
الرؤيا الصالحة ، من المبشرات ، الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له ، و الرؤيا أسلوب من أساليب الاتصال المباشر بين الله وبين المؤمنين ، الأنبياء صلتهم الوحي ، أما الأولياء والمؤمنون الصادقون فالرؤيا الصالحة طريقة من الإعلام المباشر من الله عز وجل ، تبشيراً أو تحذيراً أو تطميناً .
و الرؤيا لا يمكن أن يبنى عليها حكم شرعي كما لا يبني عليها تقييم للأشخاص ، لأن الإنسان ولو رأى النبي عليه الصلاة والسلام وأفتى له بغير الشرع ترد الرؤيا ويثبت الشرع ، هي للاستئناس وليس ليبنى عليها حكم شرعي .
سوف أتكلم عن بعض القواعد في تفسير الرؤيا لأن من أكثر الأسئلة التي تردني بعد الخطبة أو بعد الدروس ، أن أخاً كريماً رأى رؤيا يحار في تفسيرها، الحقيقة كما قلت في درس سابق : إنّ التفسير اختصاص و هناك علماء كبار في مقدمتهم ابن سيرين و كذلك الشيخ عبد الغني النابلسي أيضاً له باع طويل في تفسير الرؤيا ، وله كتاب يعد أصلاً في هذا الموضوع
قال بعض العلماء من أراد أن يفسر الرؤيا عليه أن يتقن فهم القرآن والسنة واللغة العربية واشتقاقاتها وكثيراً من العلوم الاجتماعية والنفسية وأن يعرف أصول التعبير ، ويدرك أحوال السائلين ، لأن هناك أشياء كثيرة تدخل في تفسير الرؤيا.
أولاً كيف نفسر الرؤيا من خلال القرآن الكريم ؟
اللباس الجديد في المنام بشرى بالزواج، الدليل قال تعالى :
هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)
( سورة البقرة)
فهذا تفسير وفق كتاب الله ،
و كذلك السفينة : نجاة من همّ أو مشكلة ، قال تعالى :
فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (15)
( سورة العنكبوت )
أكل اللحم في المنام يدل على الغيبة ، والدليل قال تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)
( سورة الحجرات)
البيضة في المنام تدل على المرأة ، لقول الله تعالى :
كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)
( سورة الصافات )
الحديد يدل على شدة وقسوة ، قال تعالى :
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)
(سورة الحديد)
وقد يدل على التوفيق والغلبة على العدو ، والآية أيها الإخوة دقيقة جداً ، معنى ذلك أن الأسلحة تصنـع من الحديد ، فيه بأس شديد ، والمصانع والجسور وكل الأدوات تصنع من الحديد ، ففي كلمتين من آية واحدة أشار الله عز وجل إلى منافع الحديد في الحرب ومنافع الحديد في السلم.
والحجارة تدل على القسوة والشدة في القلب والمعاملة ، قال تعالى :
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)
( سورة البقرة )
والحديد أيضاً كمــا يروي علماء التفاسير و الأحلام ؛ يدل على تعلم صنعة أيضاً ، قال تعالى :
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)
( سورة سبأ )
أيها الإخوة الكرام : إليكم هذا المثال : أخ كريم يعمل في حقل الدعوة أهداني كتيباً عن الرؤيا ، ذكر في هذا الكتيب أن إنسانة سألته عبر الهاتف أنها رأت في النوم أنها ترتدي ثوباً أبيض مزركشاً وزميلاتها يقلن لها هيا ادخلي هذا القصر ففرعون ينتظرك ، هذا الأخ الكريم اجتهد وفسر هذه الرؤيا بأن إنساناً قاسياً شديداً بعيداً عن أن يكون زوجاً مثالياً خطبها فحذرها من متابعة هذا الزواج .
تحذير من الله عز وجل ، يبدو أنها صالحة ومطيعة لربها ، تروي هذه الإنسانة بعد حين أنها انصرفت عن هذا الزواج ولم يتم الزواج ولكن بعد حين تبين أن هذا الذي خطبها شرس الأخلاق ، قاسي المعاملة يعني أنه متفرعن إن صح التعبير ، هذه الرؤيا نموذجية أراد الله عز وجل أن يحذرها من متابعة هذا الزواج .
و كونها ترتدي ثوباً أَبيض مزركشاً ، يعني هذا أنها عروس ، وزميلاتها يقلن لها هيا ادخلي هذا القصر ففرعون ينتظرك ، إذاً إشارة تحذيرية ، فهذا منام واضح ، و ليكن واضحاً أن الرؤيا غير الحلم ، الحلم منام غير واضح فيها تناقضات فيه شطحات ، فيه عدم ترابط له أسباب جسمية : طعام ثقيل ، اضطراب نفسي ، نوم على خوف ، نوم على مشكلة .
أيضاً هذا من كتاب الله عز وجل ، و هو تفسير مقبول ، ذكرت لكم أن الإمام مالك حينما رأى ملك الموت وقال يا ملك الموت كم بقي لي من عمري ؟ فأشار له ملك الموت بيده و فرق بين أصابعه ، ازداد اضطراباً حينما استيقظ ، أخمس سنوات أم خمسة أشهر أم خمسة أيام أم خمس ساعات ، أم خمس دقائق ؟ فسأل الإمام ابن سيرين وهو إمام في تفسير الأحلام ، فقال : يا إمام إن ملك الموت يقول لك : إن هذا السؤال أحد خمسة مغيّبات لا يعلمها إلا الله ، و هذا تفسير رائع .
ثانيا :في الحديث الشريف .
الغراب والحية والعقرب والفأرة وكل ضار من الحيوانات يدل على الفسق ، لأنه يغادر مكانه للأذى ، وكذلك الفاسق يؤذي نفسه وغيره ، وقد سمى النبي عليه الصلاة والسلام هذه الحيوانات المؤذية فواسق ، وسمى الفأرة فويسقة ، وتقتل في الحل والحرم ، فمن رأى مثل هذه الحيوانات التي ذكرها النبي بأنها فواسق، فهذا يدل على شيء من الفسق متلبس فيه فليحذر أن يتابع ما هو فيه .
قال شاب سأل بعض مفسري الأحلام : إنه رأى في المنام أنه يسعى لتناول زنبق جميل في بحرة في بيت ، ثم قال : فرأيت حيات وعقارب وحشرات كثيرة تحيط بتلك البحرة فما تأويله؟ فقال له مفسر هذا الحلم أظنك خطبت فتاة جميلة من أسرة غير متدينة ، و غير ملتزمة بأوامر الشرع . هناك حالات كثيرة ؛ البنت طاهرة مستقيمة و لكن لها أم مخيفة ، هذه الأم تفسد سعادة ابنتها ، هذه إشارة أن هذه الزنبقة الجميلة بنت حسناء في بحرة صافية لكن حولها حيات وعقارب . يعني مَن حولها من أفراد أسرتها .
إذاً يمكن أن نفسر المنام والرؤيا من خلال كتاب الله عز وجل ومن خلال سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،
ثالثاً: و أحياناً ظاهر الاسم يسهم في تفسير الرؤيا.
فمثلاً اسم فاضل : يدل على الفضل ، راشد : يدل على الرشد ، سالم : يدل على السلام ، الأسماء في الرؤيا تعني مضمونها ، تعني معناها اللغوي لا معناها الاصطلاحي ، الإنسان قد يكون اسمه راشد ؛ وهو غير راشد ، قد يكون اسمه كامل ؛ وهو غير كامل ، قد يكون اسمه سعيد وهو أشقى الناس ، فالأسماء في حياتنا قد تدل على مسمياتها وقد تدل على معناها اللغوي وقد لا تدل ، وقد يكون مسمى بلا اسم ، لكن في المنام قالوا الأسماء تدل على معناها اللغوي ، راشد في القرآن يعني : رشد .
أيضاً هناك طريقة في تفسير الرؤيا في المعنى أو واقع الشيء ، فالنرجس والورد يدلان على قلة البقاء وقصر العمر ، لذبولهما بسرعة وورق النخل أو الآس يدلان على طول البقاء وطول العمر لتحملها عوامل الطبيعة أكثر من غيرهما .
إن يكن حبك ورداً فحبي لك آسُ
يعني إن كان حبك لي سريع الذبول فحبي لك كالآس مديد ، فالورد والزنبق كل منهما سريع الذبول ، والآس وورق النخل كل منهما بطيء التلف ، لذلك كان عليه الصلاة والسلام يضع ورق الآس أو نبات الآس على القبر لأنه مديد ، أو يضع جريداً من النخل أيضاً .
وكما تعلمون أنّ النبي عليه الصلاة والسلام سمع صوت إنسانين يعذبان في المقبرة فقال عليه الصلاة والسلام :
" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَـانِ فِي كَبِيرٍ ثُمَّ قَالَ : بَلَى كَانَ أَحَدُهُمَا لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ دَعَا بِجَرِيــدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا كِسْرَةً فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ : لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا أَوْ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا "
و قالوا أيضاً : شاعر ذهب يزور قبر صديقه ، فرأى شقائق النعمان قد أزهرت ونبتت في الربيع على قبر أخيه ، ثم التفت عائداً وهو يرى شقائق النعمان لم تغادر قبر أخيه فتصورها تخاطبه قالت شقائق قبره : ولرب أخرس ناطق ، فارقته ولزمته ، فأنا الشقيق الصادق .
أيضاً فتاة رأت في المنام على وجهها حبوب ، هذه الحبوب تستحي أن تقابل الناس بها ، سألت أحد العلماء لتفسير هذه الرؤيا ، فقال لها: إن الوجه هو أكرم ما في الإنسان ، قد استخدمه الشعراء للمديح ، و الفخر والثناء ، فإن صفاء الوجه ونقاء الوجه علامة نقاء السريرة وصفائِها ، أما إذا كان مرض في الوجه وشيء مزعج هذا دليل أن يوجد شيء في حياة الإنسان يستحي أن يقابل الناس به ، فلما سألها هل في حياتك شيء تستحي أن تقابلي أهلك به ، قالت : والله تزوجني شاب وأنا أعلم أنه مغنٍ وله أعمال لا ترضي الله عز وجل وأنا أكتم عن أهلي حقيقة أعماله التي لا يعلمونها ، فلهذا كان التفسير واضحاً ،
رابعاً: أحياناً اللغة العــربية يمكن أن تسهم في تفسير الرؤيا
يعني السن رمز لعمر الإنسان قلع الضرس أو قاطع من القواطع ، أو ناب يدل على : وفاة قريب أو حبيب أو جار أو قريب ، الضرس للكبير ، والقواطـع للشباب والناب للطفل والفك العلوي للرجال والسفلي للنساء ، هكذا قال شراح الرؤى .
لماذا العلوي للرجال ؟ الرجال قوامون على النساء ، والسفلي للنساء ، و رؤيا السن و هي تتحرك وتضطرب من مكانها يدل على المرض ، روت كتب السير أن أميراً رأى في نومه أن أسنانه كلها قلعت إلا واحداً ، فدعا من يؤول له هذه الرؤيا ، قال له أحدهم : يموت أهلك كلهم ثم تموت أنت بعدهم ، فأمر بتأديبه ، طبعاً هذا المفسر لم يحسن الجواب ، ثم جاء مفسر آخر يقول له : أنت أطول أهلك عمراً أيها الأمير فطابت نفسه وأمر بإكرامه ، والمعنى واحد، فقلع السن و الضرس والناب يدل على الموت هكذا يرى بعض المفسرين .
حول موضوع العمر هناك طرفة في اللغة ، قد يكون إنسان المعنى واضح في ذهنه ، لكنه لا يحسن التعبير عنه ، مثلاً شخص سأل رجلاً اسمه هشام القرطبي عن سنه : أي عمره ، كم تعد ، قال أعد من واحد إلى ألف ألف أي مليون ، قال له الرجل أردت كم تعد من السن، قال: أعد اثنين وثلاثين ستة عشر في الفك الأعلى وستة عشر في الفك الأسفل ، قال له : إنما أردت كم لك من السنين ، أريد عمرك ، قال : ليس لي منها شيء كلها لله عز وجل ، قال : أردت ما سنك ؟ قال له : عظم ، قال : أردت ابن كم أنت ؟ قال : ابن رجل وزوجته ، قال : كم أتى عليك ؟ قال : لو أتى علي شيء لأهلكني ، قال : حيرتني ، ماذا أقول لك ، فقال له : قل لي كم مضى من عمرك ، فالسؤال الأول غلط والثاني غلط ...
إنسان آخر زوجته لم تحمل وأوشك أن يطلقها ، فرأى في المنام أنه ركب في فمه سناً من الذهب فالذي أولّ هذه الرؤيا اعتمد على أن قلع السن موت و تركيب السن ولادة ، وما دام من الذهب أي ستأتيه فتاة، فأولّ هذه الرؤيا أنه عن قريب ستنجب زوجتك بنتاً .
مرة ثانية الرؤيا الواضحة جداً تؤيدها تأويلات لطيفة من الكتاب والسنة واللغة ، والواقع،
خامساً :و كذلك الأمثال السائرة لها علاقة باللغة
فاليد الطويلة تدل على معروف وخير ، فلان أطول منك يداً أي كرماً ومعروفاً وقال صلى الله عليه وسلم لزوجاته : أَوّلكنّ لحوقاً بي بعد موتي أطولكن يداً ، يعني : أكثرهن معروفاً .
الاحتطاب في الرؤيا ، يدل على نميمة وإيقاع الشر ، لأنه يستعمل لإيقاد النار وهو رمز العداوة والشر ، وهذا مأخوذ من قوله تعالى :
وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)
( سورة المسد )
لم تكن تحمل الحطب لكن الحطب الذي ذكره الله عز وجل هو الحطب الذي يوقد نار العداوة والبغضاء ، الذي يوقع بين الناس هذا يعبر عنه بالمحتطب .
أراك لســـــتَ بوقاف ولا حذر كالحاطب الحاذق الأعواد في الغلس
قال أحد الشعراء :
لا تأمن الموت في طرف ولا نفس
وإن تمنّعـت بالحجــاب والحرس
أراك لســــت بوقاف ولا حذر
كالحاطب الحاذق الأعواد في الغلس
ترجو النجاة ولن تسلك مسـالكها
إن السفينــة لا تجري على اليبس
فالذي يرى إنساناً يحمل حطباً في المنام يعني يحمل الحقد والعداوة والبغضاء ، ويوقع بين الناس .
أيضاً إذا الإنسان رأى في منامه أنه يغسل يده ، يعني علامة اليأس من شيء هو واقع فيه، غسلت يدي منه ، فهذا المثل يعين على تفسير بعض الرؤيا .
الكبش في المنام يدل على التضحية و الإخلاص لأنه يُضحى به في عيد الأضحى ، ويذكرنا بإخلاص سيدنا إبراهيم لله عز وجل قال تعالى:
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)
( سورة الصافات )
والكبش أيضاً يدل على سيادة وقوة ، أو يدل على عزة وإباء ، فالعرب تقول فلان كبش قومه أي سيد قومه ، أحياناً تفسر الرؤيا بضد الشيء ، فالبكاء في المنام يؤول بالفرح ، والعرب تقول أقر الله عينك، أي أبكاك بدمع بارد ، قال بكاء الفرح دمعه بارد ، وبكاء الألم دمعه حار ، أبكاك بدمع بارد ، فالبكاء في المنام يدل على الفرح .
والضحك في المنام يدل على الحزن ، لأن شر البلية ما يضحك ، واليأس في المنام يدل على الفرج وزوال الهم والحزن ، فهذا يعني أن هناك منامات تفسر بأضدادها ، وقد يفسر الضعف بالمنام قوةً ، وقد يدل أيضاً على ضعف في الدين وانغماس بما لا يجوز قال تعالى :
وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً (28)
( سورة النساء )
يشمل الرجل والمرأة والشاب والصبي ، مشيراً أن كلاً منهم ضعيف أمام الآخر ، فينبغي على المرء أن يتجنب الاختلاط ، والمزالق والشبهات .
الضحك بصوت مرتفع مع مزاح فاحش فهذا دال على الشر ، وإذا كان تبسماً كان دليلاً على سرور وفرح وحسن أدب .
و لو أن واحد رأى ميتاً يبتسم ، ابتسامته وهدوؤه في تبسمه دليل على أنه من أهل السعادة، والضحك بسخط في المنام يدل على خفة .
وبعضهم قال الضحك في المنام من المرأة يدل على أنها سوف تحمل لأن همها الأول أن تكون حاملاً ، قال تعالى :
وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)
( سورة هود )
يوجد عامل آخر في التفسير ، كان ابن سيرين من أبرع من يفسر المنامات قالوا : سئل من قبل رجلين ، رأى كل منهما أنه يؤذن ، فسألاه عن تفسير هذا المنام ، فقال للأول : وقد عرف بالصلاح والاستقامة والخوف من الله وحسن الخلق : اسأل الله لك أن تحج هذا العام بيت الله الحرام ، قال تعالى :
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)
( سورة الحج )
وأما الثاني فكان يعرف منه خلاف ما عرفه في الأول ، ولم يكن صالحاً فقال له : حماك الله ، أخشى أن تسرق فتقطع يدك ، فسأله تلميذه كيف أولت هذا ؟ قال تعالى :
فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70)
( سورة يوسف )
فالصالح فسر له رؤياه بأنه سوف يحج ، والسيء فسر له رؤياه بأنه سيسرق وتقطع يده ، وقد روى العلماء بعد ابن سيرين أن الأول حج بيت الله الحرام والثاني سرق وقطعت يده .
طالب في مدرسة شرعية رأى نفسه في المنام أنه يصلي إماماً ببعض زملائه ولما انتهى من صلاته وسلم لم ير أحداً من زملائه وراءه ، وكان تأويل هذا المنام أن فلاناً لن يتابع الدراسة ، وسينسحب من المدرسة وهذا الذي حصل ، قالوا رؤيا النار في الشتاء خير وبركة، و أما رؤيا النار في الصيف فشر وخطر .
الملخص أن رؤية النار في الصيف شر وضرر وخطر فهي قيظ على قيظ ، وقس على ذلك مواقع القارات ، رؤيا النار في بلاد باردة شديدة البرودة كمناطق التجمد الشمالي فيها بشارة وخير ونجاة وأمل ، في حين أن رؤيا النار في مناطق استوائية إنذار ووعيد وشر ، يجب أن يكون الشيء في أوانه وفي مكانه المناسب .
قال رجل رأى خزانة بيته تحترق فسأل أحد العلماء الذين اشتهروا بتفسير الرؤيا ، فقال له: لعل تحتها أو وراءها خيراً ، فحفروا فرأوا جرة ملأى ذهباً يلمع كأنه نور الشمس ، بعد أشهر رأى الرجل الخزانة نفسها تحترق ، فلم يسأل المفسر فأسرع وحفر تحتها فخرج له ثعبان وآذاه ، ومسه بسوء فعولج حتى شفي ، فذهب إلى ذلك العالم يسأله متعجباً لاختلاف الأمرين وتضاد النتيجتين فقال له : إن الرؤيا الأولى كانت في الشتاء والنار في الشتاء دفء وهناء أما الثانية كانت في الصيف والنار في الصيف شدة وبلاء .
الثمار في أوانها خير وبركة ، وتبشر من يراها في المنام بخير ، ونجاح وبركة ، قال تعالى :
أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31)
( سورة الكهف )
الفاكهة في المنام تدل على الزواج ، قال تعالى :
إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58
( سورة يس )
الآن إذا كان المحصول فاكهة رطبة ، كالمشمش ، و الدراق ، و التفاح ، قالوا تدل على رزق لا يدوم ، أما إذا كان من اليابسة كالقمح، العدس والحمص ، تدل على رزق كثير دائم.
سيدنا عمر رضي الله عنه رأى في منامه أن ديكاً ينقره عدة مرات، فأوّل الديك وهو لا يفصح برجل أعجمي وأوّلَ النقرات بطعنات وقال : يقتلني رجل أعجمي ، هذا قبل أن يقتل ، مات شهيداً فقد قتله أبو لؤلؤة وهو رجل أعجمي فارسي .
و قد عالجت هذا الموضوع كله بسبب أنه ما من يوجد خطبة ولا درس من دون استثناء إلا و هناك أسئلة عديدة عن الرؤيا ، و هناك رؤى أفرح فيها كثيراً لبعض الإخوان ، طبعاً أخ كريم رأى رؤيا يحب أن يطمئن عن نفسه ، طبعاً هذه محاولة متواضعة و ليس من شيء قطعي في الموضوع حتى يكون كلامي دقيقاً ، لكن كما فسرت لكم من الكتاب والسنة واللغة وحال الأشياء وحال الأشخاص والظروف المعينة يمكن أن نستأنس ببعض الرؤى ، وكما ذكرت قبل قليل :
" عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّـهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَــى ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ) فَقَالَ : لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي أَوْ أَحَدٌ قَبْلَكَ قَالَ : تِلْكَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ أَوْ تُرَى لَهُ "
الإنسان أحياناً في طريقه إلى الله يلقى بعض المتاعب ، يلقى صعوبات معارضات ، تعرض له أعمال كثيرة ، بعضها لا يرضي الله يدعها من أجل الله ، يبقى فقيراً يندم أو لا يندم ، هذه الأحوال التي تحيط به ربما جاءت الرؤيا الصالحة فطمأنته ، أو قوت عزيمته، وعلى الإنسان ألا يستهين بالمنـام ، أحياناً منام يقربك من الحقائق ، يا ترى الإنسان بعد الموت كما هو قبل الموت بذاكرته بقواه الإدراكية هذا سؤال كان يخطر في بالي كثيراً ولا يوجد جواب عنه .
أذكر أنني نمت في رمضان ، رأيت أنني أبتعد عن جسمي ومازلت أصعد حتى وصلت إلى قبيل سقف الغرفة ، وأنا أرى جسمي ممدداً على السرير وسمعت صوتاً ملأ الأفق يقول : مالك يوم الدين ، وكنت قد علمت قبلها بأيام ، عن معنى قوله تعالى: مالك يوم الدين ، عندها يكون الإنسان قد انتهى خياره ، ختم عمله ، انتهى السعي ، و كل الأبواب عند الموت أغلقت ، وأنا أنظر إلى جسمي ممدداً على السرير أذكر كل شيء وأرى كل شيء وأستمع إلى كل شيء وذاكرتي هي هي وثقافتي هي هي و تواردت عليّ خواطر لا حصر لها، حتى إنني أذكر أن الغرفة وأنا قبيل السقف ، أتأمل ما فيها حاجة حاجة ، مكان الجلوس ، الهاتف ، الخزانة ، الفرش كله أمامي .
طبعاً هذه الرؤيا علمتني أن إحساس الإنسان بالحقائق بعد الموت أشد من إحساسه بها قبل الموت ، هل يوجد آية قرآنية تؤكد ذلك ؟
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (38)
( سورة مريم )
هذه ( اسمع ) صيغة تَعَجُّب ، هناك صيغتان للتعجب في اللغة ، ما أعدله وأعدل به ما أكرمه وأكرم به ، يعني ما أشد سمع الإنسان وما أقوى بصره بعد الموت .
النبي عليه الصلاة والسلام قال لقتلى بدر من الكفار يخاطبهم :
لقد كذبتموني وصدقني الناس ، وأخرجتموني وآواني الناس ، وخذلتموني ونصرني الناس، خاطبهم بأسمائهم واحداً واحداً ، قالوا يا رسول الله أتخاطب قوماً جيفوا ، أصبحوا جيفاً ؟ قال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنهم لا يكلمونني .
فالإنسان إذا كان صالحاً ومستقيماً ورأى رؤيا إن أمكنه أن يفسرها وإلا فليسأل من يثق بعلمه عن تفسيرها ، فقد تكون بشارة ، على كل ليس ديننا دين رؤى ولا أحلام ولا كرامات.
و أجمل كرامة للإنسان أن يكرمه الله بالعلم ، هذه كرامة لا تحتاج إلى خرق للعادات ، إن أردت الكرامة فاطلب العلم ، وأعظم كرامة أن تكون محسناً ، والإنسان عندما يطلب ود الله عز وجل وهو العلي القدير الكريم لا بد أن يبادره بشيء يشعره أنه يحبه ، فلعله يبشره بمنام، والمنام بالقرآن ورد عن سيدنا يوسف ، قال تعالى :
إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)
( سورة يوسف )
الرؤى بالقرآن واردة ، يوجد رؤى كثيرة ، و قد أردت من هذا الدرس النادر أن أضع أيديكم على طرائق بسيطة في تفسير الرؤى من دون أن يعتد بها أو يتخذ منها حكم شرعي و من دون أن يتاجر أحد بها ، فهي بينك وبين نفسك أرجو الله سبحانه وتعالى ، أن يرحمنا وأن ينفعنا بما علمنا .